تمكن العلماء -لأول مرة- من تحديد التركيبة الداخلية لكوكب المريخ باستخدام البيانات الزلزالية التي جمعها مسبار «إنسايت» (InSight) التابع لوكالة ناسا. ومكّنت هذه المعطيات من تسليط الضوء على الاختلافات الكبيرة في خصائص الطبقات الداخلية بين الكوكب الأحمر وكوكب الأرض.
تنتهي مهمة «إنسايت» العام المقبل بعد أن تصبح خلاياه الشمسية غير قادرة على إنتاج المزيد من الطاقة، ولكن في غضون ذلك، من الممكن كشف المزيد من الأسرار الداخلية للمريخ.
وبحسب بيان صحفي لوكالة ناسا، فقد أظهر تحليل بيانات إنسايت أنّ المريخ يملك وشاحاً أكثر سمكاً مما كان متوقعاً، بالإضافة إلى قلب سائل منصهر أكبر مما كنّا نظن.
ونشرت نتائج هذه الاكتشافات الجديدة -التي شارك فيها باحثون من معهد زيورخ للتكنولوجيا (ETH Zurich) السويسري، وجامعة كولونيا (University of Cologne) الألمانية- في 3 ورقات علمية تصدرت العدد الأخير من دورية «ساينس» (Science) العلمية.
مهمة «إنسايت»
بُعَيد تشكل النظام الشمسي، كان المريخ والأرض متشابهين إلى حد كبير، ولكل منهما غطاء من المحيط يغطي السطح. ولكن على مدى الـ4 مليارات سنة التالية، أصبحت الأرض معتدلة ومثالية للحياة، بينما فقد المريخ غلافه الجوي ومياهه وأصبح قاحلاً كما نعرفه اليوم.
ولمعرفة سبب اختلاف مصير الكوكبَين، يسعى العلماء إلى اكتشاف المزيد حول تركيبة المريخ الداخلية. ويعدّ المسبار إنسايت الذي هبط على كوكب المريخ عام 2018 أحد أهم المهام العلمية التي تسعى لتحقيق هذا الهدف عبر استكشاف النشاط الزلزالي للكوكب.
وقد سجّل مقياس الزلازل الذي يحمله المسبار الموجود على سطح الكوكب أكثر من 1000 زلزال، معظمها صغير جداً ولا يمكن ملاحظته من شخص يقف على سطح المريخ. لكن القليل منها كان كبيراً بما يكفي لمساعدة الفريق في الحصول على أول لمحة حقيقية عما يحدث تحت سطح الكوكب.
وباستخدام بيانات من نوعين مختلفين من الموجات الزلزالية -موجات القص وموجات الضغط- أنشأ الباحثون خريطة ثلاثية الأبعاد للمريخ.
وتتميّز موجات القص بكونها لا تمر إلا عبر المواد الصلبة وتنعكس نحو داخل الكوكب عند وصولها الى السطح، أما موجات الضغط فتخترق المواد الصلبة والسوائل والغازات بسرعة أكبر. وقد سمح قياس الاختلافات في زمن عبور الموجتين لطبقات المريخ الداخلية للباحثين بتحديد مواقع الزلازل وإعطاء أدلة على تكوينه الداخلي.
قشرة رقيقة ووشاح سميك
ووفقاً لبيان صحفي أصدره معهد زيورخ للتكنولوجيا، فقد اكتشف الباحثون أنّ قشرة المريخ تحت موقع هبوط المسبار بالقرب من خط الاستواء المريخي يتراوح سمكها بين 15 و47 كيلومترا. وأظهرت النتائج أنّ هذه القشرة الرقيقة تحتوي على نسبة عالية نسبياً من العناصر المشعة، الأمر الذي يدعو إلى التشكيك في النماذج السابقة للتركيب الكيميائي للقشرة بأكملها.
تحت القشرة يأتي الوشاح المريخي، وهو غلاف صخري أكثر صلابة يصل عمقه إلى ما بين 400 و600 كيلومتر، أي ضعف وشاح الأرض. وقد يكون ذلك -وفقاً للباحثين- بسبب وجود صفيحة قارية واحدة فقط على المريخ، على عكس الأرض التي تمتلك 7 صفائح كبيرة ومتحركة.
وأظهرت القياسات أيضاً أن وشاح المريخ يشبه من الناحية المعدنية وشاح الأرض العلوي، لكنّ علم الزلازل يكشف عن اختلافات في التركيب الكيميائي. فوشاح المريخ، على سبيل المثال، يحتوي على نسبة أعلى من الحديد أكثر من وشاح الأرض.
لبّ سائل وأكبر من المتوقع
أثبت تحليل البيانات الزلزالية التي سجلها إنسايت كذلك أنّ نصف قطر قلب المريخ يبلغ حوالى 1840 كيلومترا، ما يجعله أكبر بمقدار 200 كيلومترا ممّا افترضه العلماء في السابق.
ونظراً لحجم المريخ الصغير مقارنة بالأرض، فإنّ ضخامة لُبّه تعني أن كثافته أقل من كثافة لب الأرض، ويجب أن يحتوي على نسبة كبيرة من العناصر الأخف بالإضافة إلى الحديد والنيكل. وتشمل هذه المواد الكبريت والأوكسجين والكربون والهيدروجين، التي تشكل نسبة أكبر مما توقعه العلماء في السابق.
وخلص الباحثون إلى أنّ تكوين الكوكب الأحمر لم يتم فهمه بالكامل بعد. ومع ذلك، تؤكد الدراسات الجديدة أنّ اللب سائل رغم أنه لم يعد لدى المريخ مجال مغناطيسي.
ومن المتوقع أن تنتهي مهمة إنسايت العام المقبل بعد أن تصبح خلاياه الشمسية غير قادرة على إنتاج المزيد من الطاقة بسبب الأتربة المتراكمة عليها، ولكن في غضون ذلك، من الممكن الكشف عن المزيد من الأسرار الداخلية للمريخ، كما يقول الباحثون.