ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم بوصية الإمام الحسين(ع) لولده الإمام زين العابدين(ع) قبل استشهاده، وهي وصيته لنا جميعاً: "يا بني، إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله".
لقد أراد الإمام الحسين(ع) بوصيته أن لا يستغل أحد، فرداً كان أم جماعة، قوته وموقعه والصلاحيات التي تعطى له لظلم من هم دونه في القوة أو الموقع أو المرتبة أو الصلاحية، فلا يظلم الرئيس مرؤوسه ولا المدير موظفيه ولا رب العمل عماله والمعلم طلابه ولا الزوج زوجته ولا الأب أولاده.
فهذا من أفحش الظلم وأفظعه موقفاً عندما يقف الإنسان بين يدي ربه ولن يكون بمنأى عن العقاب عنده، فهو وعد بأن يكون نصير المضطهدين والمعذبين والمظلومين، وبالأخذ بهذه الوصية نعبر عن حبنا وولائنا وعشقنا للحسين(ع)، وبذلك نبني مجتمعاً لا يظلم فيه أحد لضعفه أو لقلة قدراته وإمكاناته ومن لا يستند إلى ظهر يحميه، ونكون بالتالي بعين الله وأقدر على مواجهة التحديات...
والبداية من غزة التي دخلت الحرب عليها شهرها العاشر من دون أن تبدو في الأفق بوادر لنجاح المفاوضات التي تجري في الدوحة، رغم المرونة التي أبداها ولا يزال يبديها المفاوض الفلسطيني، وذلك بفعل إصرار رئيس وزراء الكيان الصهيوني على المماطلة فيها، وهو يريد أن تكون بشروطه ولتحقيق أهدافه وأهداف كيانه في هذه الحرب، والذي بات من الواضح مدى التداعيات التي قد يؤدي إليها استمرار تعنته والتي لم تعد تقف عند حدود غزة، بل قد يتعدى ذلك إلى المنطقة كلها وإلى حرب غير محسوبة...
في هذا الوقت يتابع الشعب الفلسطيني ومعه كل الذين يساندونه في معركته هذه دوره في التصدي لهذا الكيان الذي يمارس كل ألوان التدمير والتجويع والتعطيش لتحقيق أهدافه ولكن من دون جدوى، ويشهد على ذلك حال الاستنزاف التي يعاني منها جيش الاحتلال في جنوده وآلياته، ما بات يعترف به قادته وما أدى إليه من انقسامات عميقة داخل هذا الكيان...
إننا نشعر بالاعتزاز بصمود هذا الشعب والتضحيات التي يقدمها في هذه المرحلة والتي جعلت منه أيقونة في هذا العالم وأنموذجاً يقتدى به وقوة لا لفلسطين بل للعالم العربي والإسلامي...
ونحيي كل الذين لم يتركوا هذا الشعب وحيداً في معركته انطلاقاً من حسهم القومي والديني والإنساني، رغم وعيهم بحجم التضحيات التي يبذلونها، وها هم يربكون مخططات هذا العدو ويهددون أكبر مستوطناته ومعسكراته ما سيجعل هذا العدو عاجلاً أم آجلاً يعيد النظر بحساباته والاستمرار بجرائمه...
ونتوقف عند القرار الذي صدر أخيراً من الكنيست والتي تم بتوافق الدولة والمعارضة برفض الدولة الفلسطينية بالحدود التي يتم الحديث عنها، أي ضمن نطاق 1967 والذي بالطبع لا يحقق طموح الشعب الفلسطيني ولا يعيد حقوقه، وفي حسابات العدو ان حق العودة مرفوض والخيار أمام هذا الشعب في نظر الكيان إما التهجير أو أن يذوب داخل كيانه، وفي ذلك رد على كل الذين لا يزالون يراهنون على السلام مع هذا الكيان والتطبيع معه مقابل إقامة دولة فلسطينية، وإن لم يحصدوا من ذلك إلا الفشل رغم ما قدموه من تنازلات كبرى للعدو... وهذا الموقف الصهيوني يأتي ليؤكد ما بات واضحاً أن لا خيار مع هذا العدو إلا بمقاومته والتي هي اللغة التي يفهمها ويجعله يعيد إلى الشعب الفلسطيني حقوقه...
ومن هنا، فإننا نجدد دعوتنا للفصائل والقوى والشخصيات داخل الساحة الفلسطينية إلى الوقوف صفاً واحداً في وجه ما يتهددهم، والذي كان ولا يزال يتهددهم جميعاً، فالعدو الصهيوني لا يفرق بين فصيل وآخر أو بين رام الله وغزة والضفة الغربية وغيرها، هو يريد الإجهاز على القضية الفلسطينية برمتها...
إن من المؤسف أن نشهد من الداخل الفلسطيني من لا يزال يراهن على السلام مع هذا العدو وتبادل الصفقات معه أو من يوجه سهامه إلى الفصائل المقاومة فيه بدلاً من أن يقف معها في مواجهة العدو الصهيوني الذي يبقى هو السبب في ما جرى وما يجري.
ونصل إلى لبنان الذي يتصاعد فيه العدوان الصهيوني، على القرى الحدودية ويواصل سياسة الاغتيالات لقادة المقاومة ورموزها في كل مواقعهم، ويتمادى في استهداف المدنيين، في وقت تستمر المقاومة بأداء الدور الذي رسمته لنفسها تجاه الشعب الفلسطيني ورد العدوان، والتعامل معه على قاعدة السن بالسن والعين بالعين، وهي تقدم في كل يوم درساً بأن لبنان لن يكون لقمة مستساغة له، وأن عليه أن يفكر طويلاً قبل أن يقدم على أي مغامرة على هذا البلد، وهي جادة في ذلك...
إننا نجدد دعوتنا للبنانيين أن يعتزوا بأن هناك في هذا البلد من بات قادراً على ردع هذا العدو، ونحن ندعو إلى تعزيزها وعدم رمي السهام في اتجاهها، وإذا كان هناك من اختلاف في وجهات النظر حول ما يجري، فلنوفر المناخ المناسب للحوار حولها والأطر المناسبة له، حتى لا يستفيد العدو من أي ثغرة داخلية تساعده على المس بسيادة هذا البلد والاعتداء عليه...
في الوقت نفسه، فإننا ندعو مختلف القوى السياسية إلى أن تتخفف من الشروط والشروط المضادة والبدء بحوار بات ضرورياً لإزالة الهواجس والتقريب بين المواقف للوصول لانتخاب رئيس للجمهورية وإبعاد شبح الانهيار الكبير الذي نشهده على كل الصعد، والكف عن الرهان غير الواقعي على تطورات خارجية، ليكون الرهان على وحدة اللبنانيين وتعاونهم للخروج من الأزمة...