مسلمو بريطانيا قوّة انتخابية تحرص الأحزاب السياسيّة على استقطابها عند كلّ مناسبة انتخابيّة، فنحو 32 مليون بريطاني أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة، وحملت النتائج أخباراً جيدة للمسلمين في البلاد، بتحقيقهم إنجازاً تاريخيّاً بارتفاع عدد المقاعد التي يشغلها نواب مسلمون في البرلمان إلى 18 مقعداً، بزيادة ثلاثة مقاعد على انتخابات 2017. وخاض 70 مسلماً المعركة الانتخابية مقارنةً مع 44 نائباً فقط في انتخابات 2017، وهو ما ساعد في زيادة حصتهم من المقاعد البرلمانيّة. وكانت التوقّعات تشير إلى إمكانية أن يظفر المسلمون بـ22 مقعداً، لكنّ الخسارة الكبيرة التي مني بها حزب العمّال حالت دون ذلك. ومنح حزب العمال التزكية لـ33 نائباً من أصول مسلمة للترشح للانتخابات، ودخل العمال الانتخابات مع توقعات بأنّ 16 من المقاعد الممنوحة لمرشحين مسلمين هي مقاعد محسومة لصالحه، ويحظى حزب العمّال وزعيمه جيرمي كوربن بتأييد واسع بين مسلمي بريطانيا. في المقابل، رفع حزب المحافظين عدد مرشحيه المسلمين إلى 22 مرشّحاً، وعلى العكس من العمال، فإنّ المقاعد التي اعتبرت شبه محسومة للمحافظين، لم تتجاوز خمسة مقاعد. وسيمثل حزب العمال في البرلمان 14 نائباً مسلماً، من بينهم ثلاثة نوّاب جدد، في حين يقتصر تمثيل النوّاب المسلمين في صفوف حزب المحافظين داخل البرلمان على أربعة مقاعد بزيادة مقعد واحد. ويظهر من خلال قائمة المناطق الّتي فاز فيها مرشّحون من أصول مسلمة، أنهم يتمركزون بالأساس في العاصمة البريطانيّة لندن ومدينة بيرمنغهام المعروفة بكثافة المسلمين فيها، وينسحب الأمر على الحزبين معاً: العمال والمحافظين. أمّا من حيث الأصول، فقد تبيّن أنّ حوالى ثلثي النوّاب المسلمين في البرلمان البريطاني من أصول باكستانيّة، يليهم نواب من أصول بنغاليّة، ونائب واحد من أصل إيراني وآخر كردي، ولم يسجّل أيّ تواجد لنائب من أصول عربيّة. ويعتبر ارتفاع عدد النوّاب المسلمين في البرلمان تطوراً طبيعياً بالنظر إلى تزايد أعداد البريطانيين المسلمين الذين تشير بعض التقديرات إلى أنهم بلغوا ثلاثة ملايين، ثلثهم (مليون شخص) له الحقّ في التصويت من أصل 46 مليون ناخب بريطاني، علماً أنّ إجمالي عدد المشاركين في الانتخابات الأخيرة بلغ 31.9 مليونًا. ووصف الأكاديمي العربي كامل حواش زيادة التمثيل النيابي للمسلمين بأنّه "إيجابي ومشجع"، مفسراً هذه النتيجة بانفتاح الأحزاب البريطانية على "الرفع من تمثيلية الأقليات، ومن ضمنها الأقلية المسلمة". واعتبر الأستاذ في جامعة بيرمنغهام، أن حزب العمال حرص على توزيع النواب المسلمين في مناطق تبدو حظوظهم فيها قويّة لتحقيق النجاح، وهذا في رأيه يدل على أن "الناخب البريطاني كسر الحاجز النفسي من أن يتمّ تمثيله من طرف نائب مسلم، إضافةً إلى كون الناخبين يصوّتون للحزب أكثر من الشخص". وأشار حواش - وهو عضو في حزب العمال عن المجموعة العربيّة - إلى أنّ ارتفاع عدد النوّاب المسلمين سيؤدّي في المحصلة إلى ارتفاع عدد الأصوات التي تدافع عن قضايا المسلمين، مؤكّداً في الوقت نفسه أنّ دور البرلماني لا يقتصر على طرح القضايا التي تثير مخاوف المسلمين، بل يجب أن ينصب اهتمامه على مشاكل المنطقة التي ينتمي إليها. ولا يفوت المتحدث الفرصة دون تذكير المسلمين في بريطانيا بضرورة المشاركة السياسيّة، "فهذه النتائج هي خير دليل على أنّ الرفع من المشاركة يؤدّي إلى زيادة التمثيليّة، وهذا سيقود إلى الرفع من التأثير في السياسات الرسمية البريطانية". هذه النتائج تلقي على كاهل المسلمين في بريطانيا مسوؤليّة إضافيةً بأن يكونوا قوّة فاعلة وموحَّدة في كلمتها وعملها، تسعى كي تدافع عن الحقوق والمكتسبات، ورفض كلّ ما يمسّ بالحقوق الإنسانيّة، وأن يكونوا قوّة سياسيّة مؤثرة على صعيد سياسة بريطانيا الداخلية والخارجيّة، بما يعبّر عن قيم المسلمين وثقافتهم الأصيلة.