ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية: عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى رسول الله(ص) أصحابه، حين قال لهم: "تَقَبّلوا لي بسِتٍّ أتَقَبّلْ لَكُم بالجَنّةِ: إذا حَدَّثْتُم فلا تَكْذِبوا، وإذا وَعدْتُم فلا تُخْلِفوا، وإذا ائتُمِنْتُم فلا تَخونوا، وغُضّوا أبْصارَكُم، واحْفَظوا فُروجَكُم، وكُفُّوا أيديَكُم وألسِنَتَكُم". أيُّها الأحبّة: لقد رسم لنا رسول الله(ص) الطريق إلى الجنة، فلنبادر إلى سلوكه، ويكفينا للوصول إليها أن نكون الصادقين الأمناء الذين يفون بوعدهم ويغضون أبصارهم ويحفظون فروجهم ولا يظلمون أحداً بأيديهم وألسنتهم. ومتى فعلنا ذلك سنكون أكثر وعياً ومسؤولية واستقامة في هذه الحياة وأكثر قدرة على مواجهة التحديات... والبداية من قطاع غزة والذي تزداد معاناته يوماً بعد يوم في ظل الحصار المطبق عليه والذي يخشى إن استمر أن يؤدي إلى كارثة إنسانية تودي بأكثر من مليوني نسمة يعيشون فيه، فيما يستمر العدو الصهيوني بالتدمير الممنهج للقطاع وبممارساته العدوانية ومجازره بحق المدنيين وجلهم من الشيوخ والنساء والأطفال وهم في بيوتهم وبات يلاحقهم حتى إلى الأماكن التي يلجأون إليها والتي لم يكن آخرها المجزرة التي أصابت المستشفى المعمداني والكنيسة الأرثوذكسية وأودت بمئات الضحايا والإصابات بل أعقبتها مجازر، وقد أصبح واضحاً أن الهدف الذي يريده العدو من وراء ذلك هو إفراغ القطاع من أهله إما قتلاً أو تهجيراً، ومع الأسف يجري كل ذلك على مرأى من العالم ومسمع منه، ومن دون أن يحرك هذا العالم ساكناً من أجل إيقاف نزيف الدم وهذا التدمير ويكتفي لتبرئة ذمته ببيانات الإدانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع هذا الشعب ومعاناته. ومن المؤسف والمحزن أن نجد في هذا العالم من لا يزال ينظر إلى ما يجري بعيني هذا الكيان من دون أن يبدي حتى تعاطفاً مع أطفال الشعب الفلسطيني ونسائه وشيوخه، لذا نجده يتألم ويحزن لما حل بهذا العدو وبأسراه ولما أصابه، كأن هذا العدو وحده هو من يتألم ويعاني وله أسرى، فيما الشعب الفلسطيني يعيش في رخاء وأمان ولم يتعرض للقصف أو المجازر ولم تحتل أرضه وأسراه لا يملأون سجون العدو، ولذلك نرى قيادات الدول الغربية يفدون إليه زرافاً ووحداناً لتأييد وتقديم كل الحماية له والدعم إن على الصعيد العسكري والاقتصادي ويؤمنون له التغطية السياسية التي تكفل عدم إدانته واستمراره بتدمير بنيته التحتية. ولذلك نجدد القول لكل هؤلاء الداعمين لهذا العدو، أنتم شركاء له في جرائمه وكل ما يعاني أهل غزة من آلام وجراحات ومعاناة وحصار. وهم لن يخدعوا بفتات مساعداتكم التي تريدون بها أن تغسلوا عار وقوفكم مع هذا العدو، هو يحتاج إلى أن تعملوا على وقف هذه المجازر البشرية على قطاع غزة، وأن ترفعوا ثقل احتلال هذا العدو الذي يجثم على صدره ويمنعه من مقومات الحياة، هو يريد الحياة الحرة العزيزة الكريمة له ولأولاده، وما دام يفقد مثل هذه الحياة، فإنه من الطبيعي أن يغضب ويثأر لكرامته وينتفض بكل الوسائل لنيل حقوقه... إننا لن نأمل كثيراً من دول الغرب الكبرى التي التزمت هذا الكيان العدواني وكان لها دور في وجوده، وكما عبر عن ذلك الرئيس الأميركي الذي أتى مهرولاً إلى إسرائيل لاحتضان الكيان قائلاً: أن إسرائيل لو لم تكن موجودة فلا بد أن توجد، في تماهٍ مطلق مع هذا الكيان ودعم غير محدود له، ومنع أي قوة تنشأ وتسعى لتتكافأ معه وتحمي نفسها منه، وهذه الدول نراها إن تحدثت عن حقوق الإنسان فهي تتحدث من زاوية إنسان هذا الكيان لا من زاوية إنساننا... لقد كنا نأمل وننتظر من الدول العربية والإسلامية التي اجتمعت أخيراً في جدة، أن يكون موقفها قوياً بحجم معاناة الشعب الفلسطيني والتهديد الذي يتعرض له وبحجم ما تهفو إليه شعوبها وأن تنطلق في مواقفها عملاً بالأخوة الإسلامية التي تدعوها إلى أن تكون مساندة لمن هم أخوة لهم وأن يكونوا كما دعاهم رسول الله(ص): "المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشد بعضه بعضاً"... أن لا يقتصر موقفها عند حدود كلمات التضامن العاطفية مع الشعب الفلسطيني وشجب ما يجري داخل فلسطين من مجازر ورفض التهجير للشعب الفلسطيني، بل اتخاذ المواقف الجادة والكفيلة بأن تردع هذا العدو أو تردع من يقدمون له كل الدعم، ونحن نرى أنها قادرة على ذلك إن توحدت جهودها وتكتلت قواها واستخدمت ما لديها من قدرات وإمكانات، وندعوها أن تأخذ في الاعتبار مخاطر أن يصل هذا الكيان إلى أهدافه ويحقق مشروعه لتصفية القضية الفلسطينية أو إضعافها وحصرها بالحدود التي يرسمها لها لأن هذه الدول وشعوبها لن تكون بمنأى عن استهداف العدو إن اقتضت مصالحه وتوافرت الظروف لذلك، وأن يأخذوا بالمثل الذي يقول: "أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض". إننا أمام ما يجري سيبقى رهاننا على مقاومة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية وعلى صموده وثباته في أرضه، رغم الجراح والآلام والتهاويل التي تمارس عليه وهي لن تفت عضده ولن تجعله يتراجع عن خياره بأن يكون حراً عزيزاً كريماً مهما غلت الأثمان وبلغت التضحيات... وفي الوقت نفسه، نجدد دعوتنا للشعوب العربية والإسلامية وكل أحرار العالم إلى أن يتابعوا حراكهم للتأكيد للعدو أن هذا الشعب لن يبقى وحيداً ولا ينبغي أن يستفرد به، وأن هناك من يقف معه وليضغطوا من خلال حراكهم على حكوماتهم. وهنا لا بد من أن نحيي كل الذين عبروا بأصواتهم وأقلامهم ومواقفهم السياسية وتصريحاتهم في رفض ممارسات هذا الكيان والمجازر التي حصلت وتوضيحهم الصورة التي يراد لها أن تشوه أو أن تعتم. ونعود إلى لبنان الذي يثبت كل يوم تضامنه مع الشعب الفلسطيني بكل الوسائل المتاحة لديه، لإيمانه بقضيته ولأنه يواجه عدواً مشتركاً كان وما يزال مستهدفاً منه. وهنا لا بد من أن ننوه بالحكمة التي تتحلى بها المقاومة ومعها القيادات اللبنانية، في مقاربة تهديدات العدو واستهدافاته وفي التعامل معها وعدم الرضوخ له... وندعو كل اللبنانيين إلى التوحد في هذه المرحلة والكف عن كل ما يخل بوحدتهم الوطنية وعدم جعل العدو يستفيد من أي تناقض داخلي في الموقف منه، وأن يعي الجميع أن هذا العدو لن يألو جهداً في إضعاف هذا البلد الذي يراه نقيضاً لكيانه ونداً له ويريد الثأر من كرامته بعد أن أذله الشعب اللبناني عندما أخرجه ذليلاً صاغراً من هذه الأرض... فيما ندعو الحكومة اللبنانية إلى بذل جهودها للعمل على معالجة أزمات البلد ومعاناة أبنائه والتخفيف من الأعباء عليه ودراسة كل السبل الذي تضمن قدرة البلد وإنسانه على مواجهة هذه المرحلة الصعبة بكل تداعياتها وما بات يخشى من امتداداتها إن في الداخل أو في المنطقة.